حظر خدمة VoIP: الفرق بين المغرب و البرازيل !
تعتبر التكونولجيا الحديثة أحد أهم مميزات عصرنا الحالي، حيث شهدت تطورا سريعا و غير مسبوق في وقت قياسي بالمقارنة مع ما وصلت له البشرية في العصور السابقة، و أصبح لها تطبيقات في جميع المجالات، و في الوقت الذي كان يُنظر إليها على أنها محرك للنمو الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي فقد اتضح _ فجأة_ لدى بعض الجهات أنها لا تخلو من السلبيات، و إن كانت هذه السلبيات على المستوى الاجتماعي قد أصبحت معروفة و تم التطرق إليها في وقت سابق فإن السلبيات الاقتصادية للتكنولوجيا لم يتم الانتباه إليها إلا مؤخرا مع بروز بعض الإجراءات و القرارت التي أثرت على المستخدمين خصوصا في المغرب.
في الأيام القليلة الماضية استفاق المغاربة على خبر صادم يتمثل في قرار الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات ”ANRT“ و هي أعلى هيأة مغربية مختصة في الاتصالات و التكنولوجيات المرتبطة بها حظر خدمة الاتصال عبر الصوت ”VoIP“ و المدمجة في عدد كبير من التطبيقات الشهيرة عالميا كـ ”واتس آب“، ”سكايب“ و ”فايبر“ و هي التطبيقات التي تلقى رواجا كبيرا بين المستخدمين المغاربة من جميع الفئات، القرار الجديد يجد مشروعيته حسب الوكالة في كون هذه التطبيقات تشتغل في الفضاء المغربي من دون تصريح، على أساس أن استغلال خدمة ”VoIP“ يتم عبر رخصة خاصة من الوكالة و لا تستغل إلا من طرف شركات الاتصالات المرخصة في المغرب، بالإضافة إلى ذلك _ وهنا مربط الفرس_ تشير الوكالة إلى الخسائر المالية الفادحة التي أصبحت تتكبدها شركات الاتصالات الوطنية من جراء تزايد استخدام هذه التطبيقات، و هو سبب يبدو كافيا بنظر الوكالة لكي يجعل من خدمة VoIP تكنولوجيا غير مرغوب فيها ما دامت عائدات استخدامها لا تستفيد منها شركات الاتصالات الوطنية، ينضاف إلى ذلك حديث عن مخاوف أمنية حقيقية خصوصا مع تزايد حدة استعمال الوسائط التكنولوجية في الأعمال الإرهابية.
قرار الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات في المغرب ليس الأول من نوعه في العالم فقد سبقته قرارات أخرى في نفس الاتجاه، كان أهمها ما وقع في البرازيل قبل أسابيع حينما قررت محكمة برازيلية حظر العمل بتطبيق التراسل الفوري واتس آب لمدة 48 ساعة ابتداءا من 16 و إلى غاية 17 ديسمبر الماضي، و بررت المحكمة قراراها بالاستجابة لرغبة شركات الاتصالات البرازيلية و التي ترى أن مصالحها أصبحت مهددة بشكل كبير بسبب النمو المتواصل لهذا التطبيق في البرازيل حيث تعتبر هذه الأخيرة من أكثر الدول استعمالا لتطبيق التراسل الفوري واتس آب عالميا، إلا أن هذا الحظر لم يدم سوى ساعات قليلة بسبب الضغط الشعبي الكبير حيث قرر القضاء البرازيلي من جديد رفع الحظر عن تطبيق واتس آب مبررا ذلك بكون أن هذا الأمر غير دستوري، كما أنه يضر بمصالح ملايين المواطنين، و هو ما يفيد أن المحكمة قررت الحفاظ على مصالح الشعب بدل الدفاع فقط عن شركات الاتصالات العملاقة.
و في الوقت الذي نرى فيه كيف أن القضاء البرازيلي مثلا أنصف شريحة واسعة من محدودي الدخل و هم الفئة الغالبة في البلاد و الذين أصبحوا يعتمدون على هذه التكنولوجيا في التواصل بعد أن أثقلت كاهلهم مصاريف الاتصالات الباهظة فإن السلطات في المغرب اختارت الحل الأسهل و هو الحظر الكامل لخدمات الاتصال عبر الصوت VoIP من دون مراعاة للعدد الهائل من المواطنين الذين يستعملون هذه التقنية للتواصل أو حتى لأغراض أخرى و متناسين أنهم يدفعون اشتراكات الإنترنت كما هو مطلوب منهم بالإضافة إلى أن تعرفة الاتصالات في المغرب ما زالت تعتبر مرتفعة بالنسبة للغالبية العظمى من المغاربة محدودي الدخل.
إن ما يجب أن يفهمه القائمون على الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات ANRT و غيرها من الهيئات المنظمة للقطاع أن الحظر قد يكون فعلا أسهل الحلول المتوفرة و لكنه لن يكون أبدا أكثرها واقعية و قد يأتي بنتائج عكسية خصوصا مع حملات المقاطعة التي انطلقت خلال الأيام الماضية، و عليه فإن المطلوب من المسؤولين عن القطاع إيجاد حلول ذكية و مبتكرة بدلا من البحث دائما عن الحلول السهلة !